الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: شرح السير الكبير **
قال علماؤنا رحمهم الله: البرذون في استحقاق السهم كالفرس كذا الهجين والمقرف هو قول أهل العراق وأهل الحجاز. فالفرس: اسم لفرس العربي والبرذون للفرس العجمي. والهجين: ما يكون الفحل عربياً والأمر من أفراس العجم. والمقرف على عكس هذا. ثم في استحقاق السهم من الغنيمة العربي والعجمي سواء فكذلك في الاستحقاق بالخيل وهذا لأن الاستحقاق بالخيل لإرهاب العدو به قال الله تعالى: فأما أهل الشام فيقولون: لا سهم للبرذون إلا أن يكون مقارباً للفرس ويستدلون في ذلك بما روي: أن أبا موسى الأشعري كتب إلى عمر رضي الله عنه: أما بعد فأنا أصبنا من خيل القوم خيلاً دكاً عراضاً فما يرى أمير المؤمنين في إسهامها. فكتب إليه: إن ذلك يسمى البراذين فانظر فما كان منها مقارباً للخيل فأسهمها سهماً وألغ ما سواها. وهكذا روي عن عمر بن عبد العزيز فإنه قال لعامله: فإن كان برذونا رائع الجري والمنظر فأسهم له ولا تسهم لما سوى ذلك. وأتى خال بن الوليد رض الله عنه بهجين فقال: لئن أستف التراب أحب إلي من أن أقسم له. وعن كلثوم بن الأقمر قال: أغارت الخيل بالشام فأدركت العرب من يومها وأدركت الكوادن ضحى الغد وعليهم المنذر بن أبي حمصة الوادعي فقال: لا أجعل ما أدرك سابقاً كما لم يدرك فكتب إليه عمر رضي الله عنه: هبلت الوادعي أمه لقد أذكت به أي: أتت به ذكياً. وفي رواية: لقد أذكرته أي: أتت به ذكراً فأمضوها على ما قال. إلا أنا نقول: هذه الآثار تحمل على ما لا يكون صالحاً للقتال مما يعد لحمل الأمتعة عليه دون القتال به. وقد نقل ذلك مفسراً عن عمر بن عبد العزيز قال: ما كان من فرس ضرع أو بغل فاجعلوا صاحبه بمنزلة الرجالة. ثم في حديث المنذر ما يدل على أن الإسهام للبراذين كان معروفاً بينهم فإن عمر تعجب من صنيعه وما تعجب إلا أنه لم يكن صنع ذلك قبل هذا ثم المنذر كان عاملاً فحكم فيما هو مجتهد فيه وأمضى عمر حكمه لهذا لا لأن رأيه كان موافقاً لذلك ونحن هكذا نقول: إن الحاكم إذا قضى في المجتهد بشيء فليس لمن بعده من الحكام أن يبطل ذلك. ثم قال بعض أهل الشام: يسهم للبرذون سهماً لفرس سهمين. وهكذا ذكر قبل ذلك مفسراً في حديث المنذر. وقال بعضهم: لا يسهم للبرذون أصلاً. كما ذكره في حديث خال بن الوليد. وقال: صاحب البرذزن بمنزلة صاحب الحمار والبغلة. وذكر عن عمر رضي الله عنه قال: إذا جاوز الفرس الدرب ثم نفق أسهم له. وبه أخذ علماؤنا فقالوا: معنى إرهاب العدو يحصل بمجاوزة الدرب فارساً فإن الواوين إنما تدون والأسامي إنما تكتب عند مجاوزة الدرب ثم ينتشر الخبر في دار الحرب بأنه جاوز كذا كذا راجل فلحول معنى الإرهاب به يستحق السهم. ولا يعارض هذا ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: الغنيمة لمن يشهد الوقعة لأن عندنا من نفق فرسه بعد مجاوزة الدب فإنما يأخذ الغنيمة إذا شهد الوقعة. على أن دخول دار الحرب فارساً بمنزلة شهود الوقعة فارساً ولذلك جعلنا للمدد شركة مع الجيش في المصاب وإن لم يشهدوا الوقعة. وهذا لأن إعزاز الدين يحصل بدخول دار الحرب على قصد الجهاد قال علي رضي الله عنه: ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا. ولا يسهم عندنا لصبي ولا يقاتلوا ويرضخ لمن سواهم إذا قاتلوا وللنساء إذا خرجن لمداواة الجرحى والطبخ والخبز للغزاة. وأهل الشام يقولون: يسهم للمرأة والصبي والعبد واستدلوا فيه بحديث مكحول: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم يوم حنين للنساء والصبيان ". وفي صحة هذا الخبر نظر. والمشهور أن القسمة يومئذ كانت على ألف وثمانمائة سهم فكان الرجال ألفاً وأربعمائة والخيل مائتي فرس ولم يذكر في ذلك امرأة ولا صبي ولو كانوا لكان ينبغي أن يقال: كانت الرجال كذا كذا والصبيان كذا والنساء كذا لاستحالة أن يقال: ذكرت الخيل ولم تذكر النساء والصبيان والدليل على ضعف الحديث ما اشتهر من قول الكبار من الصحابة فإن عمر رضي الله عنه كان يقول: ليس للعبد في المغنم نصيب. وقال ابن عباس: لا يسهم للنساء ولكن يخدين من الغنائم أي: يعطي لهن رضخاً. هكذا رواه سعيد بن المسيب عن رسول الله عليه السلام. وروى أبو هريرة رضي الله عنه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يسهم للعبيد والصبيان ". وعن فضالة بن عبيد قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسهم للمملوكين ". وروي: أن شقران - غلام النبي عليه السلام - شهد بدراً معه فلم يسهم له واستعمله على الأسارى حتى كان حظه كحظ رجل من الثمانية من بني هاشم وسماهم في الكتاب. وعن عمير - ولى أبي اللحم - قال: شهدت خبير وأنا مملوك فلم يسهم لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني من خرثي المتاع. فبهذا يتبين أن المراد بالحديث أنه رضخ لهؤلاء يوم خبير وبه نقول: إنه يرضخ لهم وهذا لأنهم اتباع ولا يسوى بين التبع والمتبوع في الاستحقاق بخلاف الخيل فإنه لا يستحق شيئاً وإنما المستحق صاحبه فلا يتحقق فيه معنى المساواة بين التبع والمتبوع. وكذلك أهل الذمة أتباع فإن فعلهم لا يكون جهاداً فيرضخ لهم ولا يسهم إلا أن عطاءً كان يقول: إن خرج الإمام بهم كرهاً فلهم أجر مثلهم. وابن سيرين كان يقول: يضع عنهم الجزية ومرادهم من ذلك بيان الرضخ أنه يكون بحسب العناء والقتال. وكان الزهري يقول: يسهم لهم كما يسهم للمسلمين. وروي: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا بأناس من اليهود فجعل لهم سهماناً مثل سهمان المسلمين ". ولأجل هذا الاختلاف قال محمد رحمه الله: ولو أن والياً جعل لهؤلاء السهم كما للمسلمين نفذ حكمه حتى لو رفع إلى وآل آخر يرى خلافة فعليه أن يمضي ذلك الحكم وليس له أن يبطله لأنه أمضى الحكم في فصل مجتهد به والحكم في المجتهدات نافذ بالإجماع ففي إبطاله مخالفة الإجماع وذلك لا يجوز. ولا يسهم للأجير الذي يستأجره غاز فيخدمه أنه أخذ على خروجه مالاً فلا يستوجب لهذا الخروج شيئاً من الغنيمة. والأصل فيه ما روى أن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - استأجر أجيراً بثلاثة دنانير فلما طلب سهمه من الغنيمة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذه الدنانير حظك في الدنيا والآخرة " وعن عكرمة أن أجيراً كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة فلم يسهم له شيئاً وقد روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه يسهم للأجير. وتأويل هذا أنه إذا قاتل وترك العمل الذي استأجره فإنه لا يستحق الأجر في ذلك الوقت فيستحق السهم وإذا لم يفعل ذلك فهو يستحق الأجر فلا يستحق السهم وحاله كحال التاجر في العسكر: إن قاتل استحق السهم وإن لم يقاتل لا يستحق السهم. والله أعلم.
قد بينا أن من نفق فرسه بهد مجاوزة الدرب فهو يستحق سهم الفرسان. قال: ألا ترى أنه لو عقر فرسه في القتال أو قتل أو قتل استحق سهم الفرسان. وإن كانت إصابة الغنائم بعد ذلك في حال ما كان هو راجلاً. كذلك لو أخذ العدو فرسه وأحرزوه. إذ لو قلنا يحرم سهم الفرس بهذا امتنع الناس من القتال على الخيل مخافة أن تبطل سهامهم بها. وإنما ينبغي للإمام أن يفعل ما فيه زيادة تحريض للمسلمين. ثم الاستحقاق بالتزام مؤنة الفرس في دار الحرب على قصد القتال لا بمباشرة القتال فارساً. ألا ترى أن قتالهم لو كانت في المغائض أو على أبواب الحصون أو في السفن فإن من كان فارساً منهم استحق سهم الفرسان. وقد أسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين للفرسان وكانت حصوناً افتتحوها بالقتال رجالة. فعرفنا أن المعتبر التزام مؤنة الفرس في دار الحرب لا القتال عليه. ولو ضن بفرسه فربطه في المعسكر على آري فقاتل راجلاً استحق سهم الفرسان. فإذا أصيب فرسه في القتال لأن يستحق سهم الرجالة. وفي رواية ابن المبارك - رحمه الله - يستحق سهم الفرسان لأنه التزم مؤنة الفرس في دار الحرب للقتال عليه ولأن مجاوزة الدرب بمنزلة القتال حكماً. فإذا كان يستحق به سهم الفرسان فلأن يستحق بحقيقة القتال فارساً كان أولى. ووجه ظاهر الرواية أن انعقاد سبب الاستحقاق يكون مجاوزة الدرب وقد انعقد له سبب استحقاق سهم الراجل فلا يتغير بعد ذلك. وهذا لأنه يشق على الإمام مراعاة حال كل واحد من الغزاة في كل وقت فيجب اعتبار حال مجاوزة الدرب تيسيراً لأن العادة أن عرض الجيش عند ذلك يكون في حال الدخول والخروج. فمن أثبت فارساً في الديوان عند ذلك يستحق سهم الفرسان وإن تغير حاله. ومن أثبت في ديوان الرجالة لا يستحق إلا سهم راجل وإن تغير حاله. فإن دخل بفرس لا يستطيع القتال عليه لضعف كبر أو مهر لم يركب لم يضرب له بسهم فارس لأن ما دخل به ليس بصالح للقتال عليه فعرفنا أنه دخل راجلاً وحاله دون حال من دخل ببغله أو حمار أو بعير وقد بينا أنه أن لا يسهم له إلا سهم راجل. فإن كان الفرس مريضاً لا يستطاع القتال عليه حين قتل به فلم يغنم المسلمون غنيمة حتى صح الفرس ففي القياس لهم سهم راجل لأنه عند مجاوزة الدرب لم يكن معه فرس صالح للقتال عليه وإنما صار بعد ذلك حين صح فيجعل كما لو اشترى فرساً في هذه الحالة أو دخل بمهر ثم طال مقامهم حتى صار بحال يركب. ولكنه استحسن فقال: يضرب لهم بسهم فارس في كل غنيمة أصابوها قبل برئه أو بعد برئه لأنه ما دخل بهذا الفرس إلا للقتال عليه وما التزم مؤنته إلا لذلك فإنه كان صالحاً للقتال عليه إلا أنه تعذر ذلك بعارض على شرف الزوال فإذا زال صار كأن لم يكن بخلاف المهر فإنه ما كان صالحاً للقتال عليه وإنما صار صالحاً لذلك ابتداءً في دار الحرب فيكون حاله كحال من اشترى فرساً في دار الحرب. والذي يوضح هذا الفرق أن الصغيرة لا تستوجب النفقة على زوجها لأنها لا تصلح لخدمة الزوج والمريضة التي لا يجامع مثلها لا تستوجب النفقة عليه لأنها كانت صالحة لخدمته وإنما تعذر ذلك بعارض على شرف الزوال. فكذلك الفرس إذا ضلع أو مرض عند مجاوزة الدرب بخلاف ما إذا كان ضعفه لكبر فإن ذلك ليس على شرف الزوال. ولو أن مسلماً دخل دار الحرب فارساً فقتل فرسه وأخذ أسيراً قبل أن تصاب الغنائم ثم أصاب الجيش الغنائم فلم يخرجوها حتى انفلت فلحق بهم فله سهم الفرسان لأنه انعقد له بسبب استحقاق معهم عند مجاوزة الدرب وشاركهم في إحراز الغنائم بدار الإسلام فيجعل في الحكم. كأنه لم يفارقهم لأنه ابتلى بمفارقتهم بعارض على شرف الزوال فإذا زال صار كأن لم يكن. ولو كان خرج ذلك الجيش ودخل جيش آخر فانفلت إليهم راجلاً ثم أصابوا غنائم بد ما لحق بهم فله في ذلك سهم راجل ولا يشركهم فيما أصابوا قبل أن يلتحق بهم لأنهما انعقد له سبب الاستحقاق معهم وقد تم ذلك السبب الذي انعقد له بخروج ذلك الجيش إلى دار الإسلام ولم يكن هو معهم فبطب ذلك الاستحقاق ثم قد انعقد له باللحوق بالجيش الثاني سبب الاستحقاق الآن ابتداءً فيعتبر حاله في هذا الوقت. فإن لحق بهم راجلاً استحق سهم الرجالة وإن لحق فارساً استحق سهم الفرسان بمنزلة من أسام في دار الحرب والتحق بالجيش أو كان تاجراً مستأمناً في دار الحرب فالتحق بالجيش ولهذا لا شركة له فيما أصيب قبل ذلك لأن سبب لاستحقاق ما كان منعقداً له حين أصيب ذلك. إلا أن يبتلي المسلمون بقتال فيقاتل معهم عند بك فحينئذ يستحق الشركة فيهم بسهم راجل إن التحق بهم راجلاً وبسهم فارس إن التحق بهم فارساً على فرس اشتراه من أهل الحرب أو وهبوه له لأن ذلك الفرس له على الخلوص فيكون به فارساً. وإن كان أخذ ذلك الفرس من أهل الحرب بغير طيب أنفسهم فهو راجل وذلك الفرس يكون نيئاً لأنه أحرزه بمنعة الجيش فكان من جملة الغنيمة ويشاركه فيه الجيش وهو لا يكون فارساً بفرس هو من الغنيمة. ألا ترى أنه لا يكون له أن يقاتل على ذلك الفرس. ولو كان ارتد ولحق بالعدو ثم أسلم ولحق بالعسكر فهو بمنزلة الأسير والذي أسلم في دار الحرب في جميع ما ذكرنا. فإن لم يتنبهوا إلى العسكر حتى نفقت خيولهم فهم رجالة لأن حالة اللحوق بالعسكر في حقهم بمنزلة مجاوزة الدرب في حق من دخل دار الإسلام. إلا أن يكونوا قد قربوا من العسكر بحيث يكون العسكر رداءاً لهم بغيثونهم إن طلبوا الغياث ثم نفق الفرس فحينئذ يستحقون سهم الفرسان لأنهم وصلوا إلى العسكر فرساناً فكأنهم خالطوهم ثم نفقت أفراسهم بعد ذلك. ولو دخل مسلم دار الحرب بأمر الإمام فارساً على إثر العسكر فنق فرسه ثم أدركهم راجلاً يضرب له بسهم فارس لأنه دخل دار غازياً على فرس فذلك بمنزلة لحوقه الجيش في استحقاق أصل الشركة على ما بينا أن المدد بمنزلة من شهد الوقعة في استحقاق السهم فكذلك في صفة الاستحقاق وهذا مدد حين دخل بإذن الإمام. فإن كان الإمام نهى الناس لأن يدخلوا بعد العسكر والمسألة بحالها فإنما ينظر الآن إلى حاله يوم لحوقهم لأنه دخل لصاً مغيراً وما دخل غازياً حين دخل بغير إذن الإمام. ألا ترى أنه لو أصاب وحده شيئاً لم يخمس ذلك بخلاف من دخل بإذن الإمام وأن هذا لا يشارك الجيش فيما أصابوه قبل أن تلتحق بخلاف الأول فيكون حال هذا كحال الأسير. . والذي أسلم في دار الحرب في أنه يعتبر حاله وقت اللحوق لأنه صار غازياً حينئذ. ولو أن التجار في عسكر من المسلمين أو من أهل الذمة كانوا فرساناً فقاتلوا مع المسلمين فإنما ينظر إلى حالهم حين قاتلوا لأن سبب الاستحقاق ينعقد لهم ابتداء في هذا الوقت فإنهم كانوا تجار قبل هذا لا غزاة. فمن كان من المسلمين في هذه الحالة فارساً استحق سهم الفرسان ومن كان من أهل الذمة فارساً استحق الرضخ بحسب ذلك ومن كان منهم راجلاً استحق الرضخ بحسب ذلك ولو أسلموا ثم قاتلوا معهم فإنما يعتبر حالهم في صفة استحقاق السهم حين قاتلوا معهم لأن حالهم كحال الأسراء والذين أسلموا من أهل الحرب من حيث أن سبب الاستحقاق ينعقد لهم الآن. ولو لحقوا بالعسكر وهم على يدنهم فجعلوا يقاتلون معهم ثم أسلموا فمن كان منهم فارساً حين لحقوا بالمسلمين فله سهم الفرسان ومن كان منهم راجلاً فله سهم الرجالة. وكذلك لو دخلوا من دار الإسلام مع الجيش للقتال فرساناً أو رجالة ثم أسلموا قبل إصابة الغنائم أو بعدها فمن كان منهم راجلاً حين دخل استحق سهم الرجالة ومن كان منهم فارساً استحق سهم الفرسان. وقد طعنوا في هذين الفصلين وقالوا: قبل الإسلام ما انعقد لهم سبب استحقاق السهم لأنهم ليسوا بأهل لذلك وانعقاد السبب بدون أهلية المستحق لا يكون فينبغي أن يعتبر حالهم بعد الإسلام لا حال مجاوزة الدرب وحال اللحوق بالجيش إذا كانوا في دار الحرب. ولكن ما ذكره في الكتاب أصح لأنهم من أهل أن يستحقوا شيئاً من الغنيمة. ألا ترى أن قبل الإسلام يستحقون الرضخ وذلك شيء من الغنيمة. فيه يتبين انعقاد سبب الاستحقاق لهم عند اللحوق بالجيش أو مجاوزة الدرب على قصد القتال ثم إذا أسلموا قبل تمام الاستحقاق بإحراز الغنائم بدار الإسلام يجعل بمنزلة ما لو كانوا مسلمين عند ابتداء السبب في صفة الاستحقاق لأن الصفة تتبع الأصل فيبتنى عليه. وعلى هذا لو دخلوا مدداً للجيش بإذن الإمام ثم اسلموا قبل أن يلحقوا الجيش أو بعد ما لحقوهم قبل الإحراز. ولو أن عبداً دخل دار الحرب مع مولاه فارساً يريد القتال بإذن مولاه فغنموا غنائم ثم أعتقه مولاه ووهب له ذلك الفرس فغنموا غنائم بعد ذلك فإنه يرضخ لمولاه مما غنم المسلمون قبل أن يعتق العبد ولا يبلغ بذلك الرضخ سهم فارس ولا بأس بأن يزاد على سهم الراجل لأن العبد في حكم الرضخ كالذمي ولا يبلغ برضخ الذمي إذا كان فارساً سهم فارس من المسلمين. لأنه لا يوجد من أهل الذمة مقاتل إلا وفي المسلمين من هو أقوى منه فكذلك حال العبد إلا أنهما يفترقان من حيث إن المستحق للعبد وهو الرضخ ولا يتغير بعتقه فيما أصيب قبل ذلك والمستحق للذمي يتغير حين يستحق السهم في جميع ذلك. لأن بإسلام الذمي لا يتبدل المستحق فهو المستحق للسهم والرضخ جميعاً فيمكن أن يجعل إسلامه كالموجود عند ابتداء السبب. ويعتق العبد يتبدل المستحق لأن الرضخ يكون لمولاه مستحقاً بالعبد كما يكون السهم مستحقاً له بالفرس وبعد العتق الاستحقاق للعبد فلا يمكن أن يجعل العتق كالموجود عند ابتداء السبب لأن ذلك يبطل استحقاق المولى أصلاً ولهذا المعنى قلنا يبقى حكم الرضخ فيما أصيب قبل عته وفيما يصاب بعد العتق يكون للعبد سهم الفرسان لأنه كان فارساً عند انعقاد أصل السبب وإن كان الفرس لغيره بمنزلة من دخل فارساً على فرسه عارية أو هو بعد العتق حين وهب له المولى الفرس بمنزلة من التحق بالعسكر فارساً من أسير أو تاجر فيستحق سهم الفرسان. قال: وكذلك الذمي والمكاتب يدخلان فارسن ثم يصيب المسلمون غنائم ثم يعتق المكاتب ويسلم الذمي ثم يصيبون غنائم بعد ذلك فإنه يرضخ لهما في الغنيمة الأولى رضخ فارسين ويعطيان بعد العتق والإسلام سهمين فارسين. وهذا الجواب غير صحيح في الذمي فقد أجاب قبل هذا أن له السهم في جميع ذلك. وهذا مخالف لذلك وهو تناقض بين وإنما يقع مثل هذا الغلط من المكاتب والصحيح في حق الذمي الجواب الأول لما بينا من المعنى. فأما في حق المكاتب: فمنهم من يقول: الجواب أيضاً غير صحيح لأن المكاتب هو المستحق لكسبه دون مولاه فبعتقه لا يتبدل المستحق بل يكون حاله كحال الذمي وقد نص عليه بعد هذا في الباب في الموضعين بخلاف العبد. ومنهم من يقول: بل هو صحيح لأن كسب المكاتب دائر بينه وبين مولاه لكل واحد منهما فيه حق الملك. ألا ترى أنه ينقلب حقيقة ملك المولى عجز المكاتب فيثبت معنى تبدل المستحق بعتقه من هذا الوجه فلهذا يعتبر الرضخ فيما كان قبل العتق وأما بعد العتق فله سهم الفارس فلا يكون فرسه دون الفرس المستعار. ولو جعل راجلاً بعد العتق أدى إلى أن يكون استحقاقه بعد العتق دون استحقاقه قبله لأن رضخ الفارس قد يزداد على سهم الراجل ومعلوم أن العتق يزيده خيراً لا شراً فعرفنا أن يستحق سهم الفارس بعد العتق. ولو كان العبد غير مأذون في القتال وإنما دخل للخدمة مع مولاه فقاتل فلا شيء له في القياس لأنه ليس من أهل القتال وإنما يصير أهلاً فيكون حال كحال الحربي المستأمن إن قاتل بإذن الإمام استحق الرضخ وإلا فلا. وفي الاستحسان يرضخ له لأنه غير محجوز عن الاكتساب وعما يتمحص منفعته واستحقاق الرضخ بهذه الصفة. فيكون هو كالمأذون فيه من جهة المولى دلالة. وهو نظير القياس والاستحسان في العبد المحجوز إذا أجر نفسه وسلم من العمل ثم بين أن المكاتب لا ينبغي له أن يغزو إلا بإذن مولاه كالقن لأنه في الغزو يعرض نفسه للخطر وهو مملوك للمولى فلا يجوز له أن يخاطر بنفسه بغير إذنه كالعبد بخلاف الخروج للتجارة إلى دار الحرب فإن ذلك من باب الاكتساب فيلتحق هو بالحر. وإن شرط عليه مولاه في الكتابة أن لا يخرج إلى دار الحرب فإن شرطه لغو. وقد بيناه في كتاب المكاتب. فإن قاتل بغير إذن مولاه وأبلى بلاء فإنه يرضخ له على قدر بلائه إن كان فارساً أو راجلاً لأن فعله هذا كان اكتساباً للمال وعند الكتابة يطلق ذلك له فإذا ثبت في حق المكاتب فهو كذلك في حق العبد إذا قاتل بغير إذن مولاه. ولو أن عبداً دخل دار الحرب مع مولاه فأعتقه ووهب له فرساً ثم لحق بالجند فإنما يعتبر حاله حين لحق بهم. فإن كان فارساً فله سهم الفرسان وإن كان راجلاً فله سهو الرجالة فيما يصيبون بعدما يلحق بهم ولا شركة له فيما أصابوا قبل ذلك إلا أن يقاتل معهم لأن سبب الاستحقاق ما انعقد له حين دخل لا على قصد القتال وإنما ينعقد له السبب حين يلتحق بالجيش فيكون حاله كحال التاجر والذي أسلم في دار الحرب. ول كان مكاتباً حين دخل فأعتقه المولى أو أدى بدل الكتابة قبل أن يخرجوا إلى دار الإسلام فإنما ينظر إلى حاله ين دخل فإن كان فارساً استحق سهم الفرسان فيما أصابوا قبل عتقه وبعده لأن دخوله كان على قصد القتال سواء أذن له المولى في الغزو أو لم يأذن. إذ لا خدمة للمولى عليه. وقصده إلى القتال يكون معتبراً في حقه فانعقد له السبب بالدخول وقد كمل حاله قبل تمام الإحراز فيلتحق بما لو كان كامل الحال عند الدخول. وبهذا تبين أن ما ذكر من الجواب قبل هذا في المكاتب غلط من المكاتب. فإن لم يعتق حتى قسمت الغنائم أو بيعت فليس له في تلك الغنائم إلا الرضخ لأن الحق تأكد فيها قبل كماله لحاله فإن القسمة والبيع وقد تأكد الحق في الغنيمة كالإحراز. ولهذا ينقطع بها شركة المدد. فيكون هذا وما لو عنق بعد الإحراز بدار الإسلام سواء والرضخ الواجب يكون له لأنه كسب المكاتب فيسلم له بعد العتق. وإن خاصمه مولاه في دار الحرب في المكاتبة يفسخ القاضي الكتابة لأنه أخل ببعض النجوم. وفي القياس لا يستحق شيئاً إن كان دخل بغير إذن مولاه لأن الكتابة لما انفسخت صارت كأن لم تكن وكأنه حاله كحال العبد الداخل بغير إذن مولاه على قصد القتال وقد بينا أن هناك في القياس لا يستحق الرضخ وفي الاستحسان يستحق ويكون ذلك لمولاه فهذا مثله. ولو مات عاجزاً أو عن وفاء. فإن كان ذلك قبل قسمة الغنائم أو الإخراج لم يكن له ولا لمولاه من ذلك شيء وإن أديت كتابته لأن استحقاق الرضخ لا يكون أقوى من استحقاق السهم وموت الغازي قبل الإحراز والقسمة يبطل سهمه من الغنيمة فموت المكاتب أولى. وإن كان ذلك بعد القسمة أو البيع والإخراج فله نصيبه منها كما لو مات الحر في هذه الحالة إلا أنه إذا مات عاجزاً كان ذلك لمولاه إلا أن يمون فيه وفاء بالمكاتبة فيقبضه المولى من مكاتبه ويحكم بحريته. وإن كان مات عن وفاء فذلك لورثته. فإن قيل: عتقه يستند إلى حال حياته فعلى هذا ينبغي أن يستحق السهم. بمنزلة ما لو عتق قبل الإحراز في حياته. قلنا: على إحدى الطريقتين لا يستند عتقه وإنما يجعل هو حياً حكماً إلى وقت أداء بدل الكتابة وعلى الطريق الأخرى هذا الإسناد لأجل الضرورة. فلا يظهر فيما وراء ما تحققت فيه الضرورة وهو حكم الكتابة فأما استحقاق السهم فليس من ذلك في شيء. ولو كان عبداً مأذونا له في القتال أو غير مأذون فمات قبل الإحراز والقسمة فلا شيء لمولاه من ذلك اعتبار بموت من له سهم. فإن قيل: استحقاق الرضخ هاهنا للمولى بسبب عبده كاستحقاق السهم للفارس بفرسه ثم بموت الفرس في دار الحب لا يبطل سهم الفارس فكذلك بموت العبد ينبغي أن لا يبطل ح المولى في الرضخ. قلنا: لا كذلك ولكن الاستحقاق للعبد هاهنا ثم يخلفه المولىفي ملك المستحق كما يخلفه في سائر أكسابه وهذا لأن العبد آدمي مخاطب وهو من أهل أن ينعقد له سبب الاستحقاق على أن يخلفه مولاه في ملك المستحق. أترى أنه لو مات العبد بعد مجاوزة الدرب قبل القتال لم يستحق مولاه الرضخ بخلاف الفرس وإن كان موته بعد الإحراز والقسمة فرضخه يكون لمولاه لأن سبب استحقاقه قد تأكد فلا يبطل بموته ولكن يخلفه مولاه فيه كما يخلف الوارث المورث. وإن باعه مولاه قبل الإحراز فإنه لا يبطل رضخه لأنه لم يخرج من أن يكون أهلاً للاستحقاق وإن تحول الملك فيه من شخص إلى شخص فيكون رضخه لمولاه الأول. أما إذا باعه بعد الإحراز فظاهر وأما قبل فلأن سب الاستحقاق انعقد له في ملك المولى الأول ويثبت أصل الاستحقاق بالإصابة فلا يبطل حق المولى فيه يبيعه كما في سائر أكسابه. ألا ترى أن المأذون إذا اشترى شيئاً بشرط الخيار ثم باعه مولاه فإن المشتري يكون للبائع دون المشتري. فإن غنموا غنيمة أخرى بعدما باعه مولاه فنصيبه من الغنيمة الثانية للمشتري لأن الاستحقاق إنما يثبت له عند الإصابة وعند ذلك هو ملك المشتري فيخلفه المشتري في الملك المستحق. ولو كان حراً دل دار الحرب عاقلاً ثم صار معتوهاً قبل الإحراز فإنه لا يمنع نصيبه من الغنيمة لأنه أحرزت وهو حي من أهل الاستحقاق وإن كان معتوهاً بخلاف ما إذا مات قبلاً قبل الإحراز. ولو لم يصر معتوهاً ولكنه ارتد وخرج مع المسلمين فإن أبي أن يسلم حتى قتل فإن نصيبه لورثته المسلمين يرضخ له من ذلك رضخاً كما يصنع بالذمي لأن المرتد بمنزلة الكافر الأصلي وإنما أحرزت الغنائم وهو أهل لاستحقاق الرضخ دون السهم لكونه من أهل دارنا. قال: وهذا يدلك على أن الذمي إذا سلم أو عتق المكاتب قبل إحراز الغنائم أنه يضرب لهما بسهم كامل لأنه إنما ينظر إلى حالهما يوم تحرز الغنائم بالدار أو تقسم أو تباع وبهاذ تبين أيضاً أن جوابه الأول في الذمي والمكاتب جميعاً غلط كمل بينا. ولو لحق بدار الحرب مرتداً بعد إصابة الغنيمة ثم رجع مسلماً قبل الإحراز أو بعده فليس له من ذلك شيء لأنه التحق بحربي الأصل والحربي إذا أسلم ولحق بالجيش بعد الإحراز أو قبله ولكن لم يلقوا قتالاً بعد ذلك لم يكن له شركة في المصاب فالمرتد مثله وكيف يستحق الشركة في غنائم المسلمين وقد صار بحال لو أصيب ماله كان فيئاً ولو أخذ من الغنيمة شيئاً فأحرزه ثم أسلم كان له. فعرفنا أنه صار كحربي الأصل. ولو لم يلتحق بدار الحرب بعد الردة حتى أحرزت الغنائم أو قسمت أو بيعت فنصيبه منها ميراث لورثته لأن حقه قد تأكد فيها فهو كسائر أمواله ولحاقه في هذه الحالة بدار الحرب مرتداً كموته. ولو لم يرتد ولكن المشركين أسروه قبل الإحراز ولم يقتلوه فإنه ينبغي للمسلمين أن يعزلوا نصيبه فيما غنموا قبل أن يؤسر لأن حقه ثبت فيه وبالأسر لم يخرج من أن يكون أهلاً لتقرر حقه بالإحراز. ولا شيء له فيما غنموا بعد ما أسر لأن المأسور في يد أهل الحرب ر يكون مع الجيش حقيقة ولا حكماً. فهو لم يشاركهم في إصابة هذا ولا في إحرازه بالدار. فإن لم يدر ما فعلوا به حين أسر قسمت الغنائم ولم يوقف له منها قليل ولا كثير لأن تمام الاستحقاق إنما يكون بالإخراج والمفقود كالميت فيما يستحقه ابتداء حتى إذا مات قريب له لم يرثه ولم يوقف لأجله شيء فهذا مثله. وإن قسمت الغنائم ثم جاء بعد ذلك حياً مسلماً لم يكن له شيء لأن حق الذين قسم بينهم قد تأكد بالقسمة وثبت ملكهم فيها ومن ضرورته إبطال الحق الضعيف. وإن بيعت الغنائم أو أخرجت وتخلف هو في دار الحرب لحاجة بعض المسلمين فاسر فإنه يوقف نصيبه حتى يجيء فيأخذه أو يظهر موته فيكون لورثته لأن حقه قد تأكد في المصاب بالإحراز في البيع فيكون الحكم فيه ما هو الحكم في مال المفقود. M0ا سهمان الخيل في دار الإسلام والشركة في الغنيمة ولو أن جيشاً من دار الحرب دخلوا دار الإسلام فقاتلهم المسلمون حتى ظفروا بهم فإنما الغنيمة لمن شهد الوقعة. هكذا روي عن عمر - رضي الله عنه - قال: الغنيمة لمن شهد الوقعة. وهذا لأن الاستحقاق بالجهاد والمجاهد في دار الإسلام من شهد الوقعة خاصة بخلاف ما إذا دخل المسلمون دار الحرب فهناك للمدد شركة في المصاب وإن لم يشهدوا الوقعة لأنهم دخلوا دار الحرب على قصد الجهاد وكانوا مجاهدين بذلك. ولأن دار الحرب موضع القتال فكل من حصل في دار الحرب على قصد القتال يجعل في الحكم كمن شهد الوقعة ودار الإسلام ليس بموضع القتال فإنما المقاتل فيها من شهد الوقعة خاصة وهو بمنزلة ما لو وقف في المسجد بالبعد من الإمام واقتدى به فإنه يصح الاقتداء لأن المسجد مكان الصلاة. فيجعل هو كالواقف خلف الإمام بخلاف ما إذا كان في الصحراء. ولو أن عسكراً من المسلمين افتتحوا بلدة وصيروها دار الإسلام ثم لحق بهم مدد قبل قسمة الغنائم فلا شركة لهم في المصاب لأن الغنائم بما صنعوا صارت محرزة بدار الإسلام. فكأنهم أخرجوها ثم لحقهم مدد وهذا لأن استحقاق الشركة للمدد باعتبار أنهم شاركوهم في الإحراز وذلك غير موجود هنا. وكذلك لو قسموا الغنائم في دار الحرب أو باعوها ثم أصابهم مدد لأن بالقسمة والبيع يتأكد الحق كما بالإحراز. وإنما الشركة للمدد فيما إذا لحقوا بهم في دار الحر قبل أن يتأكد حقهم فيها استدلالاً بالأثر المروي عن الصديق - رضي الله عنه - في أهل النجير باليمن. وقد بينا في السير الصغير. ولو أن عسكراً من أهل الحرب دخلوا دار الإسلام فانتهوا إلى مدينة مثل المصيصة أو المليطة فخرج قوم من أهلها وقاتلوهم حتى ظفروا بهم فالغنيمة لهم دون أهل المدينة. وإن قال أهل المدينة: قد كنا ردءاً لكم لم يلتفت إلى ذلك لأنهم ما كانوا مجاهدين إنما كانوا مستوطنين في مساكنهم والشركة في المصاب لمن كان مجاهداً ولأنهم لم يشاركوهم في الإصابة ولا في الإحراز. فإن كانوا تسلحوا وركبوا الخيل وأتوا باب المدينة فتضايق الناس على الباب فخرج بعضهم في المدينة فهم شركاء في المصاب هاهنا لأنهم قد شهدوا الوقعة وكانوا مجاهدين حين تسلحوا وأتوا باب المدينة على قصد القتال. ألا ترى أن القوم يلقون العدو محصرين فلا يلي القتال منهم إلا قوم قليل ثم تكون الغنيمة مشتركة بين جماعتهم لأنهم جميعاً شهدوا الوقعة فهذا مثله. وإن كان المسلمون بلغوا باب رجل من المسلمين قد خرج من داره متسلحاً فمنعه ذلك الزحام من المضي إلى باب المدينة فهو شريكهم في المصاب لأنه مجاهد فيما صنع شاهد للوقعة. وإن كان واقفاً على باب داره أو في جوف داره فارساً أو راجلاً إذا لم يمنعه من المضي إلا الزحام فإن كان باب داره مفتوحاً كان له سهم من الغنيمة. وإن كان باب داره مغلقاً عليه لم يكن له من الغنيمة نصيب لأن هذا متحصن بمنزله ليس بمتوجه إلى موضع القتال على قصد القتال بخلاف ما إذا كان باب داره مفتوحاً. قال: ولو كان لهذا سهم لكان لغيره ممن هو مع امرأته في جوف بيته يجامعها. وبعض هذا قريب من البعض ولكن إنما يؤخذ فيه بالاستحسان ومل يقع عليه من أمور الناس. وإن كانوا على سور المدينة يرمون أو يصيحون بما فيه تحريض للمسلمين وإرهاب للمشركين كانوا شركاءهم في الغنيمة لأنهم من جملة من شهد الوقعة وجاهد نوعاً من الجهاد. وإن كان الأمير أمرهم بالكينونة على سورها ليمنعوا العدو من دخول المدينة إن هزموا المسلمين ونهاهم أن يعينوا المسلمين بشيء فهم شركاء في الغنيمة أيضاً لأنهم شهدوا الوقعة واشتغلوا بما فيه قوة المسلمين وهو فراغ قلوبهم من أن يظفر العدو بمدينتهم. والأصل فيه ما روى عن النبي عليه السلام أنه أمر الرماة يوم أحد أن لا يبرحوا مراكزهم. ولا شك كانوا من جملة من شهد الوقعة شركاء في المصاب أن لو أصابوا الغنائم. ولو خرج المسلمون إلى باب المدينة وقاتلوهم رجالة وقد سرجوا خيولهم في منازلهم لم يضرب لهم إلا بسهم الرجالة لأنهم ما قاتلوا على الأفراس حقيقة ولا حكماً فإسراج الفرس ليس من عمل القتال في شيء. وإن كان خرجوا من منازلهم على الخيل ثم نزلوا في المعركة وقاتلوا رجالة استحقوا سهم الفرسان لأنهم شهدوا الوقعة فرساناً وإنما ترجلوا لضيق المكان أو لزيادة جد منهم في القتال فلا يحومون به سهم الفرسان. وكذلك من حضر المعركة راجلاً ومعه غلام يقود من فرسه إلى جنبه فإنه يستحق سهم الفرسان لأنه مقاتل بفرسه حكماً لتمكنه من أخذه من يد الغلام والقتال عليه. ولو حضر فارساً ثم أمر غلامه أن يرد فرسه إلى منزله فرده وقاتل راجلاً فله سهم الراجل فقط لأن الغلام حين رد فرسه فكأنه ما أحضره موضع القتال أصلاً. ألا ترى أنه لو احتاج إلى القتال عليه لم يتمكن منه. ولو أن أهل الحرب لم يدنوا من المدينة ولكنهم عسكروا على أميال منها فخرج المسلمون إليهم رجالة وفرساناً حتى هزموهم وأصابوا الغنائم فمن كان منهم فارساً يستحق سهم الفرسان سواء قاتل راجلاً بخلاف الأول فهناك الفرس في منزله على آريه فلا يكون هو مجاهداً به لا حقيقة ولا حكماً. وإن كان المسلمون حين عسكروا بحذائهم يتنحى المشركون عن معسكرهم فاتبعهم المسلمون حتى لحقوهم فقاتلوهم رجالة وخيولهم في المعسكر فإن كانوا لقوهم في موضع يقدر من المعسكر على أن يعينهم وإن أرادوا أن يبعثوا إلى خيلهم بعثوا إليهم فهم شركاء في المصاب للفارس منهم سهم الفارس لأنهم جميعاً في الحكم قد شهدوا الوقعة لقرب المعسكر من موضع الوقعة. وإن كانوا قد تباعدوا من المعسكر فليس لمن في المعسكر معهم شركة وليس لأحد منهم سهم الفرسان إلا لمن حضر المعركة على فرسه لأنهم ما كانوا متمكنين من القتال على الفرس. ألا ترى أنهم لو ركبوا الإبل في آثارهم حتى ساروا أياماً كانوا رجالة ولم ينظر إلى ما كان لهم من الخيل في المعسكر لأن في دار الإسلام الاستحقاق بشهود الوقعة فيعتبر في حق من يستحق. وما يستحق بشهود الوقعة بالحضور حقيقة. أو بأن كانوا بالقرب منه حكماً على وجه لو استغاثوا بهم أمكنهم أن يغيثوهم فيكونون كالردء لهم فأما إذا انعدم ذلك لم يكونوا من جملة من شهد الوقعة. ولو خرجوا إلى عسكرهم فرسانا فنفق فرس بعضهم كان لهم الفارس لأنه حضر المعسكر فارساً فيصير به مجاهداً بفرسه إذا كان القتال في ذلك الموضع أو بالقرب منه وهذا في حق هؤلاء بمنزلة مجاوزة الدرب فارساً أن لو كان القتال في دار الحرب. وإن كان خرج إلى العسكر راجلاً فلم يلق قتالاً حتى أتى بفرسه أو اشترى فرساً فله الفارس أيضاً وذلك لو اصطف الفريقان للقتال وهو راجل ثم أتى بفرسه أو اشترى فرساً فله سهم الفرسان لأن المعتبر هنا شهود الوقعة وحقيقة شهود الوقعة إنما تكون عند القتال فحضور المعسكر وإن أقيم مقامه حكماً لا يسقط به اعتبار الحقيقة. فإن التحم القتال وهو راجل ثم أصاب فرساً بعد ذلك لم يكن له إلا سهم راجل لأن شهود الوقعة حقيقة وحكماً قد وجد منه وهو راجل فلا يتغير حاله بإصابة الفرس بعد ذلك. ألا ترى أنه لو قتل بعضهم وأخذ فرسه فقاتل عليه لم يضرب له إلا بسهم راجل. ومن مات من المسلمين أو قتل في حال تشاغلهم بالقتال قبل أن ينهزم العدو فلا شركة لهم في المصاب لأن الإصابة لا تتم مع بقاء القتال فإن المشركين ممتنعون بعد دافعون عن أموالهم. وإن مات أو قتل بعد ما انهزموا ضرب له بسهم في الغنيمة لأن القتال في دار الإسلام فبانهزام العدو يتأكد سبب الاستحقاق وتصير الغنائم في حكم المحرزة بدار الإسلام وقد بينا أن من مات بعد الإحراز لا يبطل نصيبه فهذا مثله. ولو أصاب مسلم في حال تشاغلهم بالقتال فرساً هبة أو شراء فقاتل عليه وغنموا غنيمة ورجعوا إلى عسكرهم لم يضرب له فيها إلا بسهم راجل لأن المعتبر حال شهود الوقعة وذلك عند أول القتال وقد كان راجلاً. فإن عادوا من الغد للقتال وعاد معهم فارساً وأصابوا غنيمة ضرب له فيها بسهم فارس لأن هذه وقعة أخرى غير الأولى وقد شهدها فارساً فالأولى قد انقضت حين كف بعضهم من بعض. ألا ترى أن لو كان أصاب الفرس قبل القتال في المرة الأولى كان له سهم فارس في المصاب في المرة الأولى فكذلك في المرة الثانية. ولو قاتلوا المشركين فلم يصيبوا شيئاً حتى جاء قوم من المدينة مدداً لهم فرساناً أو رجالة فقاتلوا معهم أو وقفوا ردءاً لهم حتى أصابوا غنيمة شاركوهم فيها فمن كان فارساً ضرب له بسهم فارس ومن كان راجلاً ضرب له بسهم راجل لأنهم شهدوا الوقعة قبل إصابة الغنيمة فكان حالهم كحال من خرج مع الجيش. وكذلك لو انتهوا إلى عسكرهم فأقاموا فيه ولم يأتوا موضع القتال أو عسكروا قريباً منهم حيث يقدرون على أن يغيثوهم لأنهم فارقوا منازلهم على قصد الجهاد وعلى أ يكونوا مدداً للجيش يقاتلون معهم فإذا وصلوا إلى موضع لو استغاثوا بهم أغاثوهم قبل إصابة الغنيمة كانوا ردءاً لهم والدرء كالمباشرة في استحقاق المصاب. وكذلك لو كانوا قد غنموا غنائم قبل أن يأتوهم وغنائم بعدما أتوهم لأن القتال ما دام قائماً بين الفريقين فإصابة لا تتم. إذا المشركون قاصدون إلى الاستنقاذ من أيدي المسلمين فإنما تمت الإصابة في الكل بقوة الذين أتوهم ردءاً. ولو كانوا حين غنموا غنائم كفوا عن القتال فأتى كل فريق عسكره ثم داء المدد لم يشاركوهم في شيء من تلك الغنائم لأن الوقعة التي أصيب فيها تلك الغنائم قد انقضت فإنما الشركة لمن شهد الوقعة حقيقة وحكماً ولأن الإصابة قد تمت في تلك الغنيمة حقيقة بتفريق الفريقين وحكماً بالإحراز بدار الإسلام لأنهم إنما يقاتلون العدو في دار الإسلام. ولا شركة للمدد بعد الإحراز حقيقة وحكماً. فإن عادوا إلى العدو من الغد وقاتلوهم وأصابوا غنائم شاركوهم في الغنيمة الثانية لأنهم شهدوا الوقعة فيها وإنما صارت محرزة بمباشرتهم القتال أو قربهم بأن كانوا ردءاً للجيش وإن كانوا حين لقوا العدو من الغد قاتلوهم فأنهزم المسلمون إلى خندقهم فمنعهم المدد الذين جاءوا حتى هزموا عنهم المشركين فقالوا: نشارككم في الغنائم الأولى لأنا دفعنا المشركين عنها بالقتال لم يلتفت إلى قولهم لأنها صارت محرزة بدار الإسلام قبل هذا القتال والقتال للدفع عن المال في الغنائم المحرزة بالدار كالقتال للدفع عن ثياب الجيش وأسلحتهم فلا يكون موجباً لهم الشركة فيها. وإن كان المشركون حين هزموا المسلمين أخذوا تلك الغنائم فاستنقذها منهم المدد فإنهم يردونها إلى أهلها لأن حقهم كان تأكد فيها بالإحراز بدار الإسلام والتحقت بأموالهم فيجب الرد عليهم ولأن المشركين وإن أخذوا لم يحرزوها بدارهم فبقيت حقاً للأولين كما كانت. بخلاف ما لو كانت هذه الحادثة في دار الحرب لأن حق الأولين هناك لم يتأكد لانعدام الإحراز وإحراز أهل الحرب لها بالأخذ يتم فيبطل حق الأولين عنها ويلتحق بالغنائم التي يصيبونها الآن ابتداء. ولو كان العدو في السفن في البحر في أرض الإسلام فركب المسلمون البحر في السفن وحملوا معهم الخيل رجاء أن يخرجوا إلى البر فيقاتلوهم فالتقوا في البحر فاقتتلوا فأصابوا غنائم فإنهم يقسمونها على الخيل والرجالة لأنهم التزموا مؤنة الفرس لقصد الجهاد عليه فلا يحرمون سهم الفرسان بقتالهم رجالة في موضع لم يتمكنوا من القتال على الفرس. ألا ترى أنهم لو لقوهم في بعض المضايق فترجلوا أو قاتلوا رجالة استحقوا سهم الفرسان وكذلك لو قاتلوهم على باب حصن رجالة استحقوا سهم الفرسان لهذا المعنى كذلك هنا. فإن كانوا تركوا تباعدوا من خيولهم حتى لو كانوا في البر لم يكن لمن تخلف في المعسكر على الساحل شركة معهم لأنهم لو كانوا يشهدوا الوقعة فكذلك إذا كانوا في البحر. وإن كانوا لقوا العدو قريباً من المعسكر حيث يغيثوهم إن أرادوا غنائمهم فلهم الشركة ويضرب لأصحاب الخيل فيها بسهام الخيل لأنهم شهدوا الوقعة وصاروا بقربهم من موضع القتال كأنهم في موضع القتال. وإنما انهزم العدو وظفر المسلمون بقوة من كان في المعسكر فيشاركونهم. ألا ترى أن المشركين لو كانوا في جزيرة في أرض المسلمين وبين عسكر المسلمين وبينهم شيء يشير مثل عرض الدجلة. فركب المسلمون في السفن حتى أصابوا غنائم فإن من في العسكر يشاركهم فيها إذا رجعوا إليهم فكذلك في الأول. وعلى هذا لو دخل المسلمون غيضة في دار الإسلام مثل غياض طبرستان فلم يقدر المسلمون على أن يدخلوها على الخيل فدخلوها رجالة. وقاتلوا العدو قريباً من معسكرهم حيث يسمعون صهيل خيولهم فإن أهل العسكر شركائهم فيما غنموا ولأصحاب الخيل سهم الفرسان لأن الكل للقرب من موضع القتال كالحضور في ذلك الموضع وإن أمعنوا في الغيضة على إثر العدو حتى اقتتلوا في موضع لو طلبوا الغياث لم يغثهم أصحابهم فلا شركة لمن في المعسكر معهم في المصاب لأنهم لم يشهدوا الوقعة ولا حكماً لبعدهم من موضع القتال. وكذلك لو تحصن المسلمون في قلعة في أرض الإسلام أو في جبل لا تقدر الخيل على صعود ذلك الموضع أو تحصنوا في حصن وجعلوا الماء في الخندق حتى صار ما حول المدينة شبه البحيرة فركبوا السفن حتى انتهوا إلى الحصن وصعدوا القلعة رجالة حتى فتحوا القلعة وأصابوا الغنائم فإن أهل العسكر شركائهم فيها ولأصحاب الخيل سهم الفرسان لأن الذين ظفروا بالعدو بقوة أهل العسكر حين كانوا بالقرب منهم. إلا أن يكون المعسكر نائياً عن القلعة والحصن بحيث لا يغيثونهم ولا يكونون ردءاً لهم فحينئذ لا شركة معهم لأهل العسكر لأن تمكنهم من الإصابة بقوة أنفسهم لا بقوة من في المعسكر والإصابة تتم قبل الرجوع إلى المعسكر هاهنا وتصير الغنيمة محرزة بدار الإسلام فلا يشاركونهم فيها. ألا ترى أنهم لو فعلوا هذا في دار الحرب ثم لم يرجعوا إلى المعسكر ولكنهم خرجوا من جانب آخر إلى دار الإسلام فإن أهل المعسكر لا يشاركونهم فيها إلا إذا كانوا بالقرب منهم حين اقتتلوا وأصابوا على وجه لو استغاثوا بهم أغاثوهم فكذلك إذا كان القتال في دار الإسلام. إلا أن دار الحرب من كان من أصحاب السرية خلف فرسه في المعسكر استحق سهم الفرسان وإن كانت الإصابة بعدما بعدوا من المعسكر بخلاف ما إذا كان القتال في دار الإسلام لأن هناك سبب الاستحقاق له قد انعقد بمجاورة الدرب فارساً. ألا ترى أنه لو نفق فرسه استحق سهم الفرسان فكذلك إذا خلفه في المعسكر ولكن هذا المعنى غير معتبر في حق المستحق. ألا ترى أن من مات من الجند في دار الحرب لم يضرب له بسهم فلهذا لا شركة لمن تخلف في المعسكر ومن كان من أهل السرية خلف فرسه في المعسكر استحق السهم به. فأما إذا كان القتال في دار الإسلام فإنما ينعقد سبب الاستحقاق هاهنا بشهود الوقعة فارساً وحين كان فرسه بالبعد منه في موضع لا يتمكن من القتال عليه إن لو احتاج إليه فهو ما
|